الرئيسة \  كتب  \  عرض كتب من المكتبة العربية والعالمية

عرض كتب من المكتبة العربية والعالمية

12.11.2016
Admin


إعداد مركز الشرق العربي
11/11/2016
عناوين الكتب
  1. الدكتور أحمد عبدالوهاب الشرقاوي :مذابح الأرمن ضد الأتراك
  2. «امرأة في برلين»... تصور طبائع البرلينيين خلال الاحتلال الروسي 
  3. «الفكر العربي» تصدر «عالم أوحَد .. تطوّر التعاون الدوليّ»
  4. «أربعينية» خوان غويتيسولو ... رسالة المعري وكوميديا دانتي
  5. رون نيسكون :كتاب حرب الدعاية العالمية في جنوب إفريقيا
  6. لوكاس جريفز :الصحافة الأميركية.. وتدقيق الحقائق
  7. جان- روبير رافيو :الحرب الباردة الجديدة
  8. إيهاب خليفة :حروب «التواصل الاجتماعي»
  9. جون جوديس :«ربيع الشعبوية» في أوروبا وأميركا
  10. جان تيرول :اقتصاد الشأن العام.. رهانات اجتماعية وفكرية
  11. ليزا غولد :العنف المسلّح والمرض العقلي.. ظاهرة متعاظمة
  12. عمر قدور :«من لا يعرف سيمون؟».. كائنات قلقة وأنوثة مُستلبة
 
 
الدكتور أحمد عبدالوهاب الشرقاوي :مذابح الأرمن ضد الأتراك
الجزيرة :
عرض/محمد ثابت
في الحرب العالمية الأولى وصل الصراع بين الأتراك والأرمن إلى ذروته، وشهدت الفترة ما بين 1914 - 1920 أسوأ الحروب في تاريخ الإنسانية. الضعف العثماني والاحتلال الروسي لمناطق في الشرق العثماني والتدخل الأوروبي؛ كل ذلك صب في تحول التعصب الأرمني ضد المسلمين الأتراك إلى آلة دمار شامل حولت آلاف القرى إلى خراب، مع قتل مئات الآلاف على الجانبين التركي والأرمني.
في مقدمة وثلاثة فصول يقدم المؤرخ المتخصص في التاريخ العثماني الوثائق التي تتناول حقيقة ما جرى بين عامي 1914 - 1922 في الكثير من مناطق الأناضول والقوقاز. يحتوي الكتاب على 89 وثيقة عثمانية، وتقريرين عسكريين روسيين، وتقرير لجنة برلمانية تابعة للحكومة الأميركية.
يقول المؤلف: "استطاعت هذه الوثائق إحصاء أكثر من نصف مليون ضحية من المسلمين المدنيين وليس العسكريون وجنود الجيش ولم تتمكن من إحصاء جميع القتلى، إذ إنه حدث الكثير من المذابح وأبيدت قرى بكاملها ولم ينج منها أحد ليروي الحادثة. وفي الكثير من هذه القرى تم التخلص من الجثث بإلقائها في المجاري المائية والآبار، أو إحراق الجثث، أو هدم البيوت عليها وتركها تحت الأنقاض، أو عمل مقابر جماعية لها، وبالتالي لم يكن من المستطاع حصر وتعيين أعداد هؤلاء الضحايا.
-العنوان: مذابح الأرمن ضد الأتراك في الوثائق العثمانية والروسية والأميركية
-المؤلف: الدكتور أحمد عبدالوهاب الشرقاوي
-الناشر: دار البشير للثقافة والعلوم - القاهرة، مصر
-عدد الصفحات: 340 صفحة
-الطبعة: الأولى، 2016
تروي وثيقة تحمل رقم (73) في الفصل الأول؛ شهادة أحد الطلاب الروس في كلية طب موسكو، وممرضة روسية تدعى "ناتاليا كاراملي" تعمل بالصليب الأحمر الروسي، أن الأرمن كانوا يرتكبون أعمال العنف بشراسة ضد السكان المسلمين وخاصة النساء والأطفال في ضواحي بايبورت وأسبير.
أحد قادة العصابات الأرمنية المسلحة ويدعى "أرشاك" كان ينسق أنشطته مع قائد أرمني آخر شهير يدعى "أنترانيك"، وكانا يمارسان ذبح الأطفال خاصة. ومن الجرائم المنسوبة لهما بشهادة الطالب والممرضة، ذبح أطفال كانوا يأوون إلى ملجأ أيتام، كما ذبحوا كل الأسرى الأتراك الذين وقعوا تحت أيديهم. وعندما أُجبرت عصابات الأرمن على التراجع، قاموا باغتصاب السيدات والفتيات المسلمات، واغتالوا أيضا في طريق عودتهم 50 طفلا تركيا.
الحروب الدينية على مدار التاريخ كانت من أشد الحروب دموية، ومع تطور الآلة الحربية وتنوع آلات القتل في القرن العشرين زاد سفك الدماء. القرن العشرون وحده شهد مصرع أكثر من مئة مليون شخص في حروبه وأكثر منهم جرحى ومعاقون ومشردون. لكن وثائق الحرب العالمية الأولى تؤكد أن ما حدث من الأرمن كان استهدافا للمدنيين بصفة رئيسية وأولى، فحصيلة القتل التي تتحدث عنها الوثائق في هذا المرجع المهم؛ ليس من بينها قتل للعسكريين الترك. بل إن ظهور العسكر كان يعني توقف الذبح في منطقة لتنسحب العصابات الأرمنية لتمارس الذبح والاغتصاب الممنهج في منطقة أخرى.
في نهاية الفصل الأول يعرض الكتاب جدولا يشتمل على أعداد القتلى وأماكن حدوث الجريمة وتاريخها، ثم إجمالي الأعداد المذكورة في الوثائق العثمانية. وقد بلغ إجمالي القتلى المدنيين ما بين 1914 - 1921 أكثر من نصف مليون شخص، وتحديدا 518105 ما بين امرأة وطفل ورجل من الأتراك على يد الميليشيات الأرمنية.
ويتضمن الفصل الثاني وثيقة هي عبارة عن تقرير رسمي من أحد الضباط الروس أثناء قتالهم بمشاركة كتائب المتطوعين الأرمن ضد الأتراك العثمانيين يقول عنها المؤلف: "إنه بالرغم من المنافع المتبادلة والمشاركة الإستراتيجية في مقاتلة عدو واحد؛ فإن الضابط المذكور استفزته التصرفات اللاإنسانية والشاذة للأرمن في مواجهة الأهالي من الأتراك العثمانيين المسلمين"!
كانت أوائل القرن العشرين قد شهدت تحولات هائلة في روسيا وانتفاضات وثورات أدت في مجملها إلى تغيرات متتالية في الجيش الروسي وبخاصة في علاقة الجنود بالضباط. فقد انهارت لفترة الطاعة المطلقة التي اشتهر بها جنود جيش القياصرة، وأصبح الضباط يخافون من معاقبة الجنود المتمردين حتى لا ينقلب البقية ضدهم.
واستغل الأرمن هذه الأوضاع في تخطي الأوامر التي تقيد حركتهم ضد الأتراك المسلمين في أثناء الحرب (كانت روسيا تغض الطرف عما يرتكبه الأرمن ما دامت في طي الخفاء). وتأتي شهادة الليفتانت كولونيل "تواردو خليبوف" القائد الروسي تأكيدا لجرائم الأرمن ضد المدنيين الترك.
يقول خليبوف: "في سنة 1916 عندما احتل جنودنا الروس مدينة أرضروم، لم يُسمح لأرمني واحد بدخول المدينة أو الدنو من ضواحيها". ويضيف "لكن الحال تبدلت بعد الثورة الروسية، وتم العدول عن هذه الاحتياطات، فانتهز الأرمن الفرصة لمهاجمة أرضروم وضواحيها، وشرعوا يسلبون المنازل وينهبون القرى ويذبحون الأهالي، ولم يجرؤ الأرمن مطلقا خلال الاحتلال الروسي على الإمعان في أعمال القسوة والوحشية علنا، ولكن كانوا يقتلون وينهبون في الخفاء، ولكن لم يحل عام 1917 حتى شرعت الجمعية الثورية الأرمنية -ومعظمها من الجنود- في تفتيش المنازل تفتيشا عاما بدعوى نزع سلاح الأهالي".
تستمر شهادات الضباط الروس الواردة في تقرير "خليبوف" لتوثق قتل أعداد ضخمة من الأتراك على يد الأرمن بدم بارد دون قتال أو حتى توفر فرصة للدفاع عن النفس أو حمل السلاح.
ينتقل الفصل الثالث إلى تقرير لجنة نايلز وسزرلاند، وهي مفوضة من الكونغرس الأميركي وبتكليف منه أيضا عام 1919 للتحقيق في أوضاع الأقاليم الشرقية للإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وكان الغرض من اللجنة هو تقييم النوع المطلوب من المساعدات التي يمكن تقديمها عن طريق "اللجنة الأميركية للإغاثة في الشرق الأدنى". وتألفت اللجنة من الكابتن "إيموري نايلز" وهو ضابط بالجيش الأميركي، وأستاذ القانون الأميركي "آرثر سزرلاند الإبن".
في التقرير يضع المبعوثان الأميركيان مشاهداتهما، ويدونان الملاحظات على ما حدث في المناطق التي مرّوا بها. في المنطقة من "بتليس" إلى "بايزيد" مرورا "بفان"؛ يقول التقرير: إن المنطقة شهدت قتالا بين الروس وحلفائهم الأرمن من جهة وبين الأتراك من جهة، وجرت أعمال النهب والمذابح، وترتب على ذلك دمار شامل في المنطقة، وخاصة مدن ولاية "بتليس" وولاية "فان" اللتان دُمر نحو تسعة أعشارها.
سكان تلك المنطقة المنكوبة يتكونون أساسا من المسلمين، ويقول المبعوثان: إنهما علما أن الأضرار والدمار قام به الأرمن، إذ احتل الجيش الروسي المنطقة ثم انسحب منها، وما لبث الأرمن أن قاموا بارتكاب جرائم القتل والاغتصاب والحرق - وعلى حد تعبير التقرير- قاموا بكل الفظائع الرهيبة بحق المسلمين.
استدل واضعو التقرير على صحة الشهادات التي استمعوا لها من الدلائل التي رأوها أن ممتلكات الأرمن وكنائسهم وحتى النقوش التي على المنازل في "بتليس وفان" لم تُمس أو تصب بسوء في حين أن ممتلكات المسلمين ومنازلهم دمرت تدميرا كاملا.
في منطقة أرضروم الحدودية التي تتكون من سلسلة من السهول التي تحيط بها الجبال ويقطنها الأكراد والأتراك حدثت أيضا أعمال قتل وتدمير كامل للمنازل والمزروعات ونهب الماشية. ويؤكد التقرير على أن الأرمن قاموا قبل انسحابهم من المنطقة بتدمير القرى وعمل مذابح وفظائع أيضا ضد السكان المسلمين. ويضيف التقرير أن هذه الجرائم الأرمنية -كما يطلق عليها التقرير- ما زالت تجري على الحدود لحظة كتابة الوقائع. كما استدل المبعوثان الأميركيان على صحة الشهادات من أحد الضباط البريطانيين في أرضروم.
وفي النهاية تقرر اللجنة الأميركية؛ أنه بالرغم من أن ذكرهم للفظائع التي ارتكبت ليس له علاقة بمهمتهم الأساسية، لكن ما شاهدوه وسمعوه تغلب عليهم، وتأكدوا أن الحقيقة هي أن الأرمن ذبحوا المسلمين على نطاق واسع وبكثير من القسوة والوحشية. وأن الأرمن مسئولون عن معظم الدمار الذي حدث في القرى والمدن.
كما يؤكد التقرير على حقيقة أن الروس قاموا بالكثير من الفوضى والدمار حال تحالفهم مع الأرمن، لكن عندما انحل الجيش الروسي في 1917 وتركوا الأرمن دون تحكم، قام الأخيرون يذبحون ويقتلون المدنيين المسلمين، وعندما تحطم الجيش الأرمني على يد الجيش التركي تحول كل الجنود النظاميين وغير النظاميين إلى آلة تدمير في ملكيات المسلمين وارتكبوا المجازر، والنتيجة هي تدمير بلاد بأكملها.
فيما يقول المؤرخ الأميركي "جستن مكارثي" في كتابه المهم "الطرد والإبادة مصير المسلمين العثمانيين": هجمات الأرمن على المسلمين لم يأت ذكرها أو تؤخذ في الحسبان إلا فيما ندر، أما هجمات المسلمين على الأرمن فهي فقط التي يهتمون بها ويبرزونها، كان من السهل على المعلقين أن يصوروا المسلمين بوصفهم متوحشين شعروا بين فينة وأخرى بالحاجة إلى قتل المسيحيين، في الحقيقة هاجم الأرمن المسلمين وفي كثير من الأحيان دون استفزاز واضح أو مسوغ مباشر".
========================
«امرأة في برلين»... تصور طبائع البرلينيين خلال الاحتلال الروسي 
 النسخة: الورقية - سعودي  الثلاثاء، ١ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٦ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش) 
آخر تحديث: الثلاثاء، ١ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٦ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش)  الرياض - «الحياة» 
صدر حديثاً عن منشورات المتوسط ميلانو، كتاب «امرأة في برلين ثمانية أسابيع في مدينة محتلة»، وهو للكاتبة والصحافية الألمانية مارتا هيلرس، بعد أن تم كشف هوية الكاتبة في العام 2003 وترجمت الكتاب إلى العربية الروائية والمترجمة ميادة خليل. والكتاب هو تأريخ لثمانية أسابيع من العام 1945، عندما سقطت برلين في يد الجيش الروسي. إذ سجلت سيدة شابة يومياتها في المبنى الذي فيه شقتها وما حوله.
الكاتبة «المجهولة» صوّرت البرلينيين في كل طبائعهم البشرية، في جُبنهم وفسادهم، أولاً بسبب الجوع، وثانياً بسبب الجنود الروس.
«امرأة في برلين» يحكي عن العلاقات المعقدة بين المدنيين والجيش المحتل، والمعاملة المهينة للنساء في مدينة محتلة، والذي هو دائماً موضوع الاغتصاب الجماعي الذي عانت منه جميع النساء، بغض النظر عن السن والعجز.
صدرت الطبعة الأولى للكتاب باللغة الإنكليزية في أميركا عام 1954، بعد وفات هيلرس بعامين، أي في العام 2003، صدرت طبعة جديدة للكتاب في ألمانيا، وكانت من أفضل الكتب مبيعاً. وكشف المحرر الأدبي الألماني ينس بيكسي عن هوية الكاتبة بعد صدور الكتاب في العام 2003.
ولكنه صدر مرة أخرى في طبعة جديدة باللغة الإنكليزية عام 2005 وباسم «مجهول»، إضافة إلى صدوره في سبع لغات أخرى، كما أن الكتاب حُوّل إلى فيلم عام 2008 بالعنوان ذاته وباللغة الألمانية، وأخرجه ماكس فيربربُك، وقامت بدور البطولة فيه نينا هوس.
تقول الكاتبة البريطانية أنتونيا سوزان بيات: «امرأة في برلين واحد من الكتب الأساسية لفهم الحرب والحياة». ويكتب الكاتب والروائي الأميركي جوزيف كانون عن الكتاب: «لقد كتبت - باختصار - كتاباً أدبياً ثرياً بالشخصيات والتصورات».
========================
«الفكر العربي» تصدر «عالم أوحَد .. تطوّر التعاون الدوليّ»
النسخة: الورقية - سعودي  الثلاثاء، ١ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٦ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش) 
آخر تحديث: الثلاثاء، ١ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٦ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش)  الرياض - «الحياة» 
 أصدرت مؤسسة الفكر العربي كتاباً جديداً بعنوان «عالم أوحد.. تطور التعاون الدولي» لغيـِّــوم ديفــان. وجاء هذا الكتاب ليذكّرنا بأنّ الكلام على الحرب يفترض الكلام على السلم، تماماً ككلامنا على الليل والنهار، والموت والحياة، واليأس والأمل وغيرها من سنن الحياة وتناقضاتها. غير أنّ السـلام بالنسبة إلى غيـِّــوم ديفــان لا يشــكّل مجرّد لحظة. وما أغفله كثرٌ، خصّوصاً في ميدان العلاقات الدّولية - وتحديداً في زمننا الراهن المميّز بكونه زمن «جبروت التقنيّة» - هو بنية السلام هذا وأطره وسيروراته. من هنا تركيزه على هذا البُعد المنسيّ تقريباً، أي على «جملة ســيرورات التعاون ومســـاراته التي تحـوِّل العلاقـات الدوليّة، في محاولة تأطير علاقـات القوّة ومـوازين القوى، وتحكيم العقل والتعقّل فيها، وتجاوزها. إنّها حركة الديناميّة التعاونيّة بين الدّول والمجتمعات التي غدت المنسيّ الأكبر الذي أغفله تاريخ العلاقات الدوليّة». لقد أعاد المؤلّف الاعتبار إلى التعاون الدوليّ من حيث أنّه مفتاح قراءة العلاقات الدوليّة المُعاصرة، متجاوزاً الاعتقاد السائد بأنّ «التعاون الدوليّ» هو تعبيرٌ على قـدرٍ من الضبابية والغموض، لكونه نُظر إليه بوصفه «ضرباً من الطوعيّة المُنظَّمة»، وفقاً لتعبير سكوت باريت، متيقّناً بأنّ «الاعتـراف بالآخـر، والعمل المنسَّق، والسعي إلى أهـدافٍ مشـتركة، هي الأشكال المختلفة والصُّور المتنوّعة للنشاطات التعاونيّة»؛ وأنّ هذه «لا تَسـتبعِد النّزاع مطلقاً، ولكنّها تسعى إلى احتوائه ضمن إطارٍ مقبول، أي داخل إطار منظّمة دولية، ومن ضمن قواعـد قانونية، وتفاوض». وتطلَّب منه ذلك رصد فكرة «التعاون» ودخولها مفرداتنا ومصطلحاتنا منذ النصف الأوّل من القرن الـ19، ليستخلص جوهرها. فتضمَّن «التعاون» بالنسبة إليه وضعيّة الترابط أو الارتهان المُتبادَل بين الفاعلين، بحيث لا يسـتطيع أيّ طرف منهم أن يبلغ أهـدافه، من دون أخـذ الآخـرين في الاعتبار، وذلك في إطارٍ من «التنسـيق والتعاون» اللذَيْن يفترضان «إيجـاد حلٍّ مؤاتٍ ومُجـزٍ للجميع»، تكون مسـألة توزيع المغانم فيه قائمة على النحـو الأفضل بحسب المصالح المُشـتركة. وإذا كان ذلك ليس سـهل التحديد على الصعيد الدوليّ، إلّا أنّه لا يعني أنّه يشكّل «سديماً ضبابياً يعصى على التناول ويصعب على الإدراك».
بمثل هذه الموضوعيّة العلميّة، يُزعزِع غيـِّــوم ديفــان الأفكار السائدة عن التعاون الدّولي، ليخلصَ إلى أنّه «كلّمـا كانت نشاطات التعاون الدوليّ عـدة، ومتنوّعة، وكثيفة، تقلَّصت فُرص النزاعات المسـلَّحة. التعاون يخـدم الأمن؛ بمـا في ذلك الأمن التقليدي بين الدّول، لأنّه يُعطيه بُعـداً جماعيّاً». والكتاب غنيّ بغير ذلك من الأمثلة والحِجج والبراهين التي تؤكّد أنّ التغيير على الصعيد الدّولي، وبالاستناد إلى تجارب التاريخ، لا بدّ أن يُطاول على نحو متـزامنٍ، وإن بنسبٍ متغيّرة، الفعاليّات والفاعلين في النظام الدوليّ، وعلاقاتهم، ونمـط «التسـوية» الذي يعتمدونه، والذي عادةً ما يكون نمط «التسوية» الغالِب الذي فَرَضته الظروف الموضوعيّة.
========================
«أربعينية» خوان غويتيسولو ... رسالة المعري وكوميديا دانتي
النسخة: الورقية - دولي  الثلاثاء، ١ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٦ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش) 
آخر تحديث: الثلاثاء، ١ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٦ (٠٠:٠٠ - بتوقيت غرينتش)  صبحي موسى 
تعد رواية «الأربعينية» للكاتب الإسباني خوان غويتيسولو، والتي صدرت عن المركز القومي للترجمة بترجمة عبير عبدالحافظ، صرخة في وجه العالم الغربي الذي قرر أن يقيم تجربة بشرية ليوم الحساب على أرض بغداد، كما أنها تعد بحثاً في العلاقة بين الثقافتين العربية والإسبانية على ضوء واحد من الجسور الروحية المهمة وهو المسألة الصوفية، فتلك الرواية التي لا تزيد عن مئة وخمسين صفحة من القطع المتوسط، استعرض فيها غويتيسولو جهود العديد من الأسماء والرموز العربية والإسبانية التي تعاملت مع مشاهد يوم الحساب أو رحلة الإسراء والمعراج، بدءاً من المعري في «رسالة الغفران» مروراً بدانتي أليغيري في «الكوميديا الإلهية»، وصولاً إلى محيي الدين بن عربي في كتابه «المعراج»، وتعد الرواية في مجملها واحدة من التحايا المهمة للثقافة العربية من جانب الأدب الغربي، إذ يعلن غويتيسولو بداية من العنوان أنه مدين بوعيه للثقافة الإسلامية، كما حدث مع دانتي ولوركا وبورخس ولويس إنفانتي وغيرهم.
تقوم الرواية على خلق حالة صوفية مشابهة لرحلة الإسراء والمعراج، حيث التحليق خارج الزمان والمكان عبر تجول الروح في فضاءات مختلفة، حيث مشاهد الجنة والنار، واختراق الحجب وصعود مدارج الترقي بين طبقات السماوات والأراضين، والالتقاء بأسلاف الغابرين والأحفاد القادمين. متقاطعاً مع «غفران» المعري و«مراتب» محيي الدين بن عربي وطواسين الحلاج وأشعار الرومي وطقوس الرفاعية وأوراد الشاذلية وأنصار المرسي أبو العباس في القاهرة والإسكندرية.
سعى غويتيسولو إلى عرض المساهمات العربية والإسبانية في الثقافة الصوفية عبر طرحه الجديد لشعيرة الأربعينية، حيث سعى الى تقديم عمل متمم لما قدمه أبو العلاء ودانتي أليغيري، وما تواتر من أحاديث عن مشاهدات الإسراء والمعراج، ليضيف من خلال عمله الجديد طرحاً يخص تقنيات العالم الحديث، حيث الرؤية الرقمية، والشاشات العملاقة، والفضاءات المفتوحة، منتبهاً إلى أثر هذه التقنيات الحديثة بما تمثله من نقلة حضارية في تصوير مرحلة البرزخ، تلك المرحلة المؤهلة لانتقال ثالث، حيث الجنة الأبدية أو النار الأبدية، من دون أن يتخلى عن المشهد الأساس في حساب القبر من خلال الرؤية الإسلامية، حيث الملكان منكر ونكير اللذين احتلا دور البطولة في رواية يتخيل فيها كاتبها أنه قد مات وانفصلت روحه عن جسده، لتعيش في رحلة الأربعين يوماً إلى أن تصل إلى انتقالها الأبدي، ولأن الكاتب يقدم عملاً حداثياً فإنه لا يتخلى عن رصد البعد الثالث في عمله، حيث التداخل بين الماضي والحاضر، وتفتيت الزمن وتوزيعه على أكثر من مستوى في الرصد، فهناك الرؤية الماضوية بتراثها القديم، والرؤية الحديثة برصدها الواقعي لليومي والمعاش، حيث المناقشات التي تجري بين زوجته وروحه أو قرينه الباقي في المكان، وهناك الرؤية المستقبلية عبر الشاشات العملاقة التي تترجم الأحلام والهواجس والمخاوف، والتي تنقل ما بين عالمي الجنة والنار في لحظة واحدة، وحيث الأرواح الهائمة من أزمنة بعيدة لتلتقي بالأوراق التي ماتت قريباً، وفي طريقها الى معرفة ما جرى وما سيجري لها، وحيث منكر ونكير في شكلهما الحديث وأدواتهما الحديثة، وحيث دوائر السماء ودوائر الأرض وتجواله فيها هو وسكرتيرته من خلال رحلة لشركة خطوط جوية حديثة، والتعرف إلى ما في كل مستوى من جماعات ومشاهد تشبه مشاهد الحشر، متقاطعاً مع ما كتبه المفكرون وما رسمه الفنانون عن هذه المشاهد، وتأكيد غويتيسولو الدائم أنه يكتب نصاً روائياً، وأن هذه الكتابة تجيء وهو في مرحلة الأربعين يوماً التي تعقب الوفاة.
كان الدافع لكتابة هذا العمل هو حرب الخليج الأولى، فقد استغرقت وفق ما يقول غويتيسولو أربعين يوماً، وهو قول يمكننا الاختلاف فيه مع الكاتب، إذ دامت حرب الخليج الأولى ثمانية وعشرين يوماً، والمدهش أن الكاتب يعطي القاهرة دور البطولة كمكان في نصه، من دون أن يعترف بأن طقس الأربعينية هو شعيرة مصرية، تعود إلى الثقافة الفرعونية، حيث إيزيس التي تدور على الأقاليم المصرية لجمع أعضاء زوجها أوزوريس خلال أربعين يوماً، وكانت هذه الأسطورة يتم تمثيلها في المعابد المصرية على مدار أربعين يوماً، هي المدة التي تستغرقها عملية تحنيط المتوفي.
يعد غويتيسولو المولود في برشلونة عام 1930، واحداً من التجليات الموريسكية الفريدة في الثقافة الإسبانية، فهو لا ينفك يعلن عن أهمية الثقافة العربية في تكوينه، وقد أصدر العديد من الأعمال التي تعبر هذا الامتزاج الثقافي بين الثقافتين الإسلامية والإسبانية لديه، من بينها «الإشارات»، «مطالبات الكونت السيد خوليان»، «لمحة بعد المعركة»، «إصلاحات الطائر المنعزل»، لكن أشهر هذه الأعمال هو كتابه «إسبانيا في مواجهة التاريخ» الذي يدافع فيه بوضوح عن الثقافة العربية ودورها في الحياة والثقافة والتاريخ الإسباني.
يذكر أنه كان من معارضي الجنرال فرانكو، وأنه أقام سنوات عدة في باريس، ويقيم منذ فترة ليست قصيرة في مراكش في المغرب، وقد رفض عام 2009 جائزة القذافي، ويعد واحداً من كبار المثــقــفيــن الغربيين الذين دافعوا عن القضية الفلسطينية، وتعد روايته «الأربعينية» صرخة في وجه العالم الغربي الذي جاء إلى بغداد بكل ما يملك من عتاد ومتفجرات، كما لو أن الغرب قرر أن يـــقوم بــتــجربة بشرية ليوم الحــــساب على أرض هذا البـــلد وتلك الثقافة.
========================
رون نيسكون :كتاب حرب الدعاية العالمية في جنوب إفريقيا
تأليف: رون نيسكون
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
على مدى خمسين عاماً، أنفقت حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ما يقدر ب 100 مليون دولار سنوياً على حملات التضليل والتشويه الإعلامي، للتغطية على ممارساتها البشعة بحق السود، فكانت موجّهة بشكل خاص إلى الرأي العام البريطاني والأمريكي. يسعى الصحفي رون نيكسون في عمله هذا، إلى تقديم صورة تفصيلية لهذه الحملات الدعائية التي زورت الحقائق من خلال كشف شبكة معقدة من جماعات الضغط موضحاً فيه المؤامرة الكبرى على السود في جنوب إفريقيا ودور الإعلام الخطر عند توجيهه لخدمة الأنظمة العنصرية.
يسلط الصحفي رون نيكسون الضوء على أحد الجوانب المنسية تقريباً من معركة طويلة على الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وهي الحملة الدعائية العالمية التي شنتها حكومة جنوب إفريقيا ضد السود، في محاولة منها لحشد التأييد للنظام العنصري، وذلك من خلال إجراء مقابلات مع العديد من السياسيين والإعلاميين، والاطلاع على آلاف الوثائق التي لم تكن متاحة سابقاً من الأرشيف الجنوب إفريقي، والأمريكي والبريطاني، والنتيجة من وراء عمل الكاتب البحثي هي إلقاء نظرة مهمة على كيفية إدارة صورة الفصل العنصري، ودعم النظام، خلال خمسين عاماً من النضال والاحتجاج ضد العنصرية.
وهذا الكتاب لرون نيكسون - وهو أمريكي من أصل إفريقي، مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» من واشنطن، وزميل زائر في قسم الإعلام والدراسات الصحافية في جامعة ويتواترسراند - صدر حديثاً عن دار «بلوتو برس» البريطانية في 238 صفحة من القطع المتوسط، في 15 فصلاً بعد المقدمة، وهي: الفصل العنصري جيد للسود، في الدفاع عن الفصل العنصري، اتخاذ موقف هجومي، عملية «بلاكووش»، «مولدرغيت»، المشاركة البنّاءة، جنوب إفريقيا حرة، وقف حركة مناهضة الفصل العنصري، العقوبات تؤذي فقط السود، المثبّت، عملية «هاردبريك»، فيديو مكافحة العقوبات، رجل الفصل العنصري في أنغولا، الرمق الأخير للفصل العنصري، نهاية الفصل العنصري.
سود سعداء!
عندما كان الصحفي رون نيكسون طفلاً صغيراً في الولايات المتحدة، أعطته جدته مجلة عن جنوب إفريقيا، ظهرت له في صفحات المجلة صور للحيوانات البرية الرائعة، وغروب الشمس والسود السعداء على الشاطئ.
 لكن بعد عقود، يدرك نيكسون أن المجلة كانت جزءاً من الدعاية التي كان قسم الاستخبارات في حكومة الفصل العنصري ينتجها بشكل ممنهج، وهي واحدة من المنشورات التي لا تعد ولا تحصى، والموزعة دولياً تحت ستار أنها من المجلات «العادية».
ويشير نيكسون إلى أنه لفهم نطاق وتأثير الحرب الدعائية حينها، أجرت شركة علاقات عامة في نيويورك عام 1970 مسحاً مكلفاً عن جنوب إفريقيا، لمعرفة ما يفكر الناس به حيال الفصل العنصري في جنوب إفريقيا على المستوى الدولي. فكانت النتائج أنه بلد غير جميل، وهو ثاني أكثر دولة غير شعبية في العالم، بعد أوغندا زمن عيدي أمين، حتى إنها كانت تعتبر «أقل تفضيلاً» من الاتحاد السوفييتي والصين.
عند هذه النقطة يوضح نيكسون أن الحرب الدعائية كانت في ذروتها، واستطاعت أن تزوّر الكثير من الحقائق المتعلقة بحكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
ويبين أنه منذ الأيام الأولى من الفصل العنصري في أواخر سنوات الأربعينات من القرن الماضي، حينما كان دانيال فرانسوا مالان يشغل رئاسة الوزراء من 1948 إلى 1954، سعت حكومته إلى كسب دعم الولايات المتحدة، من خلال إقناع الأمريكيين بأن حكومة الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا كانت حصناً منيعاً في وجه تمدد الشيوعية داخل القارة السمراء.
كما يذكر أنه زمن خليفة مالان، يوهانس غيرهاردوس ستريجدوم الذي بقي على رأس الحكومة من 1954 إلى 1958، كانت آلة دعاية الفصل العنصري وصلت إلى مستوى عالٍ واحترافية كبيرة، لكن وسط انتقادات دولية متزايدة وبسبب الاستياء والاشمئزاز العام مما حصل في مذبحة شاربفيل 21 مارس / آذار 1960، حيث قتلت شرطة الفصل العنصري 69 من المتظاهرين السود، ارتأت حكومته ضرورة إنتاج مواد إعلامية مؤيدة للفصل العنصري على وجه السرعة. فكلفت منظمة رايت هاملتون، وهي شركة علاقات عامة لها خبرة في تمثيل الحكومات التي لا تحظى بشعبية في العالم، فأنتجت مقالات وأفلام تتحدث عن السود المبتهجين في جنوب إفريقيا والحياة البرية ذات المناظر الخلابة، وتوزعها في جميع أنحاء العالم.
شراء الذمم والرشى
كان وزير الإعلام حينها هو كوني مولدر الذي شغل الوزارة من 1968 إلى 1977. اكتسبت جهود الدعاية في جنوب إفريقيا زخماً قوياً وخطراً في عهده. بلّغ مولدر الحكومة حينها أن ما يتعين على حكومة جنوب إفريقيا أن تقوم به هو حملة من شراء الذمم، وإعطاء الرشى، واستخدام أسلوب الخداع للوصول إلى قلوب وعقول العالم.
واستعان حينها مولدر بصحفي سابق يدعى إيشيل رودي لمواجهة النظرة السلبية المتشكلة عن حكومة جنوب إفريقيا والمنتشرة في جميع أنحاء العالم، وتم تقديم تمويل سري له بالملايين حسبما يعلق مؤلف الكتاب نيكسون.
ويضيف أن الصحفي إيشيل رودي كان هو نفسه من اتفق مع شركة العلاقات العامة المكلفة في نيويورك، لإجراء المسح الذي خرج بنتائج مدمرة للشعبية العالمية لجنوب إفريقيا. ومن هذا الإدراك جاءت خطة العمل التي أسست «ذا سيتزن»، وهي صحيفة كانت تهدف إلى مواجهة وسائل الإعلام ذات التوجهات اليسارية مثل صحيفة «ديلي ميل راند».
ويشير الكاتب إلى أنه في نهاية المطاف سقط مولدر، ورودي وجون فورستر رئيس الوزراء في جنوب إفريقيا من 1968 إلى 1978، في فضيحة عرفت باسم «مولدرغيت» التي تورط فيها الثلاثي مع أجهزة المخابرات في ​​تحريك الملايين من ميزانية الدفاع لإجراء سلسلة من المشاريع الدعائية.
لكن - يشير نيكسون - إلى أن الإطاحة بفورستر لم تكن نهاية الحرب الدعائية. على الرغم من أن خلفه بيتر بوتا حل وزارة الإعلام وأنشأ بديلاً عنها، ولكنه احتفظ بما يصل إلى 60 من المشاريع السرية التي أدارها إيشيل رودي.
 كان تمدد إعلام حكومة الفصل العنصري كبيراً، ومخالبها تصل إلى كل مكان مؤثر. في المملكة المتحدة، كان هناك نائبان في حزب العمال الحاكم يحصلان على رواتب من حكومة الفصل العنصري، بحسب نيكسون. فقد كانا مكلفين بدعم حكومة الفصل العنصري في مجلس العموم، والتجسس على الجماعات المناهضة للفصل العنصري. كما كان هناك صحفيون ألمان يقومون برحلات سنوية إلى جنوب إفريقيا يتقاضون فيها أموالاً لتجميل صورة حكومة الفصل العنصري في بلادهم، وتم تشكيل فريق في اليابان لإقامة روابط مع النقابات اليابانية. كما تم التعاقد مع خبير دعاية أرجنتيني لوضع مقالات مؤيدة لحكومة جنوب إفريقيا العنصرية في صحف أمريكا الجنوبية. وكانت هناك خطط - تم التخلي عنها لاحقاً - لإنشاء تمويل حزب سياسي نرويجي موالٍ للفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
 ويشير إلى أنه في سنوات الثمانينات، قامت شركة علاقات عامة في المملكة المتحدة تدعى «استراتيجي نيتورك إنترناشينال»، بتنظيم حملة لمنع فرض عقوبات على جنوب إفريقيا، وقد أجرت محادثات مع السياسيين في المملكة المتحدة (بما فيهم ديفيد كاميرون) للقيام برحلات إلى جنوب إفريقيا لإقناعهم بأن الأمور ليست كلها سيئة.
أبواق متفانية
يذكر نيكسون أن الجزء الأكبر من جهود حكومة الفصل العنصري كانت موجّهة - رغم تحركاتها في العديد من الدول - إلى الولايات المتحدة. ويتحدث عن شخصيات استثنائية، خاصة من أولئك الأمريكيين السود الذين أصبحوا أبواقاً إعلامية متفانية لحكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
وقد تناول نيكسون في عمله هذا بوضوح، وفي كتاب إلكتروني سابق بعنوان «عملية بلاكووش»، محاولات نظام الفصل العنصري للفوز بتأييد الأمريكيين الأفارقة، وهو ما يعتبره جانباً سريالياً من الحرب الدعائية العالمية لحكومة الفصل العنصري. ومن هذه الشخصيات ماكس يرغان، وهو أمريكي من أصل إفريقي عاش في جنوب إفريقيا لسنوات عديدة، وأصبح من المقربين لأعضاء بارزين في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، مثل غوفان مبيكي وأي بي إكسوما.
عاد يرغان إلى الولايات المتحدة لدعم حقوق السود في جنوب إفريقيا جنباً إلى جنب مع ناشطين وسياسيين آخرين، لكن فجأة أبلغ مكتب التحقيقات الفيدرالي عن رفاقه السياسيين، وكان يقوم بجولات في جنوب إفريقيا محذراً من شرور الشيوعية، حسبما يكتب نيكسون. وفي عام 1953، أجرت مجلة أمريكية مقابلة مع يرغان أشار فيها إلى أن «حكومة جنوب إفريقيا، بدلاً من ازدرائها، تستحق فهم العالم لسياستها المتعلقة بالفصل العنصري».
 ثم يتحدث عن جورج شويلر، وهو أمريكي من أصل إفريقي، كان يدافع بشكل صريح عن حقوق السود في جنوب إفريقيا إلى أن صار مثل يرغان يناهض بشدة الشيوعية. ويعلق نيكسون على ذلك: «في أواخر سنوات الأربعينات، بدأ شويلر بتغيير آرائه السياسية، ربما لإدراكه بأنه أصبح في موقع الاشتباه من قبل وكالات الاستخبارات الأمريكية مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي». وبدءاً من سنوات الستينات كان شويلر يجري مقابلات إذاعية يعبّر فيها عن وجهة نظره، فيقول مثلاً: «لا أعتقد أنه من شأن الناس تغيير المجتمع»، قاصداً بذلك نظام الفصل العنصري.
ويتحدث نيسكون أيضاً عن أندرو تي هاتشر، نائب السكرتير الصحفي لريتشارد نيكسون و«أحد أكثر الشخصيات الأمريكية من أصل إفريقي رفيعة المستوى في العالم». كان هاتشر يعدّ رحلات إلى جنوب إفريقيا للصحفيين والمشرعين الأمريكيين السود، حيث كانت تحركاتهم تحت التحكم بشكل دقيق.
ويشير نيكسون إلى أن هاتشر كان يتلقى الأموال أيضاً من نظام الفصل العنصري للخروج في التلفزيون الأمريكي ليقول للولايات المتحدة إن الوضع «مشجع» في جنوب إفريقيا.
 كما يتطرق إلى شخصية ويليام كيز، وهو أمريكي من أصل إفريقي، كان يحصل على 400 ألف دولار في السنة من حكومة الفصل العنصري لكتابة الافتتاحيات في الصحف المحافظة لمهاجمة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي «الشيوعي» كما يقول نيكسون.
وفي مقابلة مع شبكة «سي إن إن» الأمريكية في 1985، تحدث عن ضرورة الاعتراف ب «حقيقة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي كمنظمة إرهابية خارجة على القانون ارتكبت العنف بشكل أساسي ضد السود الأبرياء».
ما وراء الكواليس
يحتوي كتاب نيكسون أيضاً على شذرات لافتة تتعلق بالجدل الدائر ما وراء الكواليس بشأن فرض عقوبات على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. ويشير نيكسون إلى أن صمود مارغريت تاتشر لتجنب العقوبات ضد نظام الفصل العنصري لم يحركه حتى التماس الملكة نفسها. ويكتب معلقاً: «أخذ المستشارون الملكيون على عاتقهم خطوة غير عادية من تسريب وجهات النظر السياسية للملكة والمسافة المتزايدة بينها وبين رئيسة الوزراء على جنوب إفريقيا إلى صحيفة (صنداي تايمز)».
كما حصلت حكومة الفصل العنصري على «الدعم غير المحدود» من الدعاة في الولايات المتحدة مثل جيمي سواجارت وجيري فالويل، حتى إن فالويل شجّع الملايين من المسيحيين في الولايات المتحدة لشراء العملة الذهبية التي صكت لأول مرة في 1967 لدعم سوق الذهب في جنوب إفريقيا واقتصادها بشكل عام. واستند جزء كبير من معارضة الولايات المتحدة لفرض العقوبات على ركيزتين: الأولى هي أن العقوبات ستضر السود في جنوب إفريقيا أكثر من البيض، والثانية هي ضرورة الحفاظ على قوة جنوب إفريقيا لمنع الشيوعية من اجتياح القارة السمراء.
ويستشهد نيكسون بقول أحد المحافظين وهو وزير أمريكي أسود. «أنا أكره الشيوعية أكثر مما أكره الفصل العنصري».
 ويخلص نيكسون في نهاية عمله إلى أنه إذا كانت الحرب الدعائية حققت أي شيء في الواقع، فهو تأخير ما لا يمكن الفرار منه، وهو إعطاء السود حقوقهم على أكمل وجه.
========================
لوكاس جريفز :الصحافة الأميركية.. وتدقيق الحقائق
تاريخ النشر: الجمعة 11 نوفمبر 2016
دعونا نتفق أن دونالد ترامب حقق ظهوراً بارزاً في كتاب «لوكاس جريفز» الجديد حول أهمية تدقيق الحقائق، وبالطبع لم يحظ الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً بالثناء. وفي كتابه الجديد الذي نشره في الوقت المناسب، والمعنون: «تقرير الحقيقة.. ظهور تدقيق الحقائق السياسية في الصحافة الأميركية»، يركز المؤلف «جريفز» على ترامب ومدى صدقه. ويشير إلى أن نتائج موقع «بوليتي فاكت» لتدقيق الحقائق حول سباق الرئاسة الأميركية في 2016، تكشف أن خمسة في المئة فقط من تصريحات ترامب بلغت مستوى «نصف الحقيقة»، حتى منتصف عام 2015، وهو معدل أقل بكثير من خصومه السياسيين، ولم يتغير مستوى صدق الحديث في تصريحاته كثيراً منذ ذلك الحين.
وأشار «جريفز» في كتابه إلى أن عملية «تدقيق الحقائق» في الصحافة ساعدت في كشف السياسيين الذين يبدون ازدراءً سافراً بالحقيقة، لكنه عزف عن وصم ترامب أو أي سياسي آخر بالكاذب، لافتاً إلى أن مدققي الحقائق لا يستخدمون هذا المصطلح أبداً. وقال: «إن ذلك يقتضي معرفة ما في قلب الشخص».
 وبينما يتعقب «جريفز» ظهور عملية «تدقيق الحقائق»، يوضح أيضاً انحدار المسار السياسي بثبات نحو التضليل، مؤكداً أن السياسيين يتمسكون برواياتهم للأحداث، التي تعتمد عليها حياتهم المهنية. وبحسب المؤلف، يتقيد حراس البوابات، أو الصحفيون السياسيون اليوميون، بتمسكهم بالموضوعية. وهذه المبادئ الصحافية ربما تكون السبب في أن هيلاري كلينتون في كل مناظرة، كانت تحيل المشاهدين إلى مراجعة الحقائق المدققة بشأن خصمها التي أجراها فريق حملتها الانتخابية. غير أن تأثير تدقيق الحقائق ربما يكون محدوداً بسبب تحزب القراء الذين يفضلون في كثير من الأحيان الأخبار التي تأتيهم عبر «الفيسبوك» لأنها تؤكد آراءهم السياسية الموجودة سلفاً.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، دقق الصحفيون حول الحقائق في تصريحات «رونالد ريجان»، الذي وصل إلى البيت الأبيض وقد اكتسب سمعة ارتكاب الأخطاء والمبالغة. وعكفت الصحف، خصوصاً «واشنطن بوست»، على التدقيق في تصريحات «ريجان» كافة في المؤتمرات الصحافية، إلى أن أظهر القراء اهتماماً ضئيلاً بدرجة جعلت الصحيفة تتوقف، حسبما أكد «والتر بينكاس»، الذي قال: «إن الأمر متروك للديمقراطيين ليجذبوا الناخبين، وليس لنا، فنحن سننقل تصريحات كلا الطرفين».
وعلى الرغم من ذلك، عاد الزخم إلى عملية تدقيق الحقائق في تصريحات المرشحين الأميركيين في عام 1992، إذ أسست كبريات الشبكات التلفزيونية والصحف أقساماً لتدقيق الحقائق في إعلانات السباق الرئاسي بين جورج بوش الأب وبيل كلينتون. وبحلول عام 2004، سخر مسؤول في إدارة جورج بوش الابن من مراسل لكونه «جزءاً من مجتمع يعتمد على الحقيقة»، إذ وصفه بأنه انفصل عن السلطة السياسية لـ«القوى المؤثرة تاريخياً»، التي ترسخ حقائقها الخاصة. وفي عام 2012، تحدث بول كروجمان، الحائز جائزة نوبل، بشأن عصر «ما بعد الحقيقة» في السياسة.
ويبدو أن بعضاً من أقوى خصوم تدقيق الحقائق السياسية هم كبار المحررين والمراسلين الذين تدربوا على ممارسة الصحافة بموضوعية، ونقل أخبار كلا الجانبين في أي قضية من دون الميل إلى أي طرف. ويقول «جريفز»: «إن تدقيق الحقائق لم يكن المقصود به تنظيف السياسة»، فهو هدف اعتبره المشاركون في هذه العملية بأنه «ساذج وربما غير ملائم».
غير أنه لا يزال هناك حضّ للمراسلين على «الموضوعية المدروسة»، حسبما يشير «جريفز»، لافتاً إلى أن الصحافة تخاطر بأن تصبح أقل ملاءمة كلما تمسكت برؤية غير واقعية لا تتدخل في الأحداث ولا تفسر للقارئ.
وائل بدران
الكتاب: تقرير الحقيقة.. ظهور تدقيق الحقائق السياسية في الصحافة الأميركية
المؤلف: لوكاس جريفز
الناشر: كولومبيا
تاريخ النشر: 2016
========================
جان- روبير رافيو :الحرب الباردة الجديدة
تاريخ النشر: الجمعة 11 نوفمبر 2016
يناقش المؤلف الفرنسي «جان- روبير رافيو» في كتابه الصادر في أواخر الشهر المنصرم تحت عنوان: «روسيا: نحو حرب باردة جديدة»، قضية كثر الحديث عنها خلال الفترة الأخيرة في وسائل الإعلام الغربية، هي عودة أجواء الحرب الباردة والصراع من جديد بين روسيا والغرب، وخاصة منذ تفاقم الأزمة الأوكرانية قبل ثلاث سنوات تقريباً، والتدخل الروسي هناك، وصولاً إلى ضم منطقة شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، وأخيراً التدخل العسكري الروسي في الصراع الجاري في سوريا، هذا طبعاً إضافة إلى ملفات ونقاط احتكاك وأسباب خلاف كثيرة أخرى بين موسكو والعواصم الغربية. ومن وجهة النظر الروسية ربما تمتد جذور هذا الصراع أيضاً إلى فترة سابقة زمنياً على نشوب الأزمتين الأوكرانية والروسية، وخاصة بعد استمرار الحلف الأطلسي «الناتو» في التوسع في دول فضاء المعسكر الاشتراكي السابق، ليضم دولاً كانت ضمن حلف «وارسو» التابع لموسكو في العهد السوفييتي، وهو ما تقرؤه القيادة الروسية على أنه يمثل تهديداً لأمنها القومي، وخاصة مع الإصرار على نشر منظومة الدرع الصاروخية في مناطق تعتبرها حساسة ومهددة لأمنها الحيوي.
وفي هذا الكتاب، الواقع في 183 صفحة، يذهب الكاتب «جان- روبير رافيو» إلى أن روسيا، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في سنة 1991، وهي تجهد بكل الطرق لبناء عقيدة في مجال السياسة الخارجية هدفها، في المقام الأول، تأكيد استقلالها الاستراتيجي، مدفوعة بإرادة وتصميم على العودة من جديد كقوة كبرى مؤثرة، وذات كلمة على المسرح الدولي. ومن هنا فإن الرؤية التي يتبناها القادة الروس في نظرتهم إلى العالم مختلفة في منطلقاتها وأساسها وأهدافها إلى حد بعيد عن رؤية نظرائهم من القادة الغربيين. وهذا ما جعل افتراق المقاربتين، وشدة اختلاف الرؤيتين، يتكشّفان في النهاية، عن عودة أجواء الصراع، ومحاولة ليّ الأذرع، وفرض الإرادات بين الطرفين الروسي والغربي، وهو ما يعبر الآن عن نفسه بصور مختلفة ضمن ما بات يسمى اليوم بالحرب الباردة الجديدة بين الشرق والغرب، بين الكرملين وقادة الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها القوة العظمى الأميركية، ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، وبقية الحلفاء الآخرين في المنظومة الأطلسية ككل.
 ومع أن هذه الحرب الباردة الجديدة هي في جوهرها استمرار للحرب الباردة السابقة التي جرت في النصف الثاني من القرن الماضي، فإن لهذه المواجهة الراهنة أيضاً بعض الخصوصيات، نظراً لاختلاف موازين القوى هذه المرة، وأيضاً لوجود نظام دولي جديد مختلف في استقطاباته ورهاناته عن فترة الصراع السوفييتي الغربي. وهنا لا يغفل الكاتب سرد خلفيات بعض هذا الاستقطاب الدولي المتفاقم، بقدما يسعى أيضاً لتفكيك بعض أسباب سوء التفاهم المزمن بين الروس والغربيين، ومن ذلك مثلاً اختلاف تعريف كل من الجانبين لمفهوم حدوده الجيوسياسية والسيادية ومجاله الحيوي ومفردات وضمانات أمنه القومي الخاص في حالة الروس، والمشترك في حالة الغربيين. كما يحلل المؤلف أيضاً بعض الدلالات والرسائل الدولية، المعلنة أو الضمنية، الكامنة في العودة الروسية القوية والصاخبة إلى المسرح الشرق أوسطي، هذا فضلاً عن العودة الروسية اللافتة أيضاً لتأكيد القوة في مجال الفضاء الرقمي. وكذلك مظاهر القوة الناعمة الروسية التي يحاول الكرملين توظيفها ضمن عودته الآن على المسرح الدولي. وفي المجمل فالكتاب يحاول تقديم هذا الصراع الروسي الغربي الجديد في حدوده الحقيقية، متخففاً من بعض الأحكام الجاهزة والصور النمطية، مع تركه في سياقاته الحقيقية دون مبالغات إعلامية، أو تهوين أو تهويل.
حسن ولد المختار
الكتاب: روسيا: نحو حرب باردة جديدة
المؤلف: جان- روبير رافيو
الناشر: لادوكيمانتاسيون فرانسيز
========================
إيهاب خليفة :حروب «التواصل الاجتماعي»
تاريخ النشر: الجمعة 11 نوفمبر 2016
لم يعد عالم التواصل الاجتماعي عالماً افتراضياً مفارقاً للواقع والحقائق الحياتية، بل بات واقعاً حقيقياً، معاشاً ومؤثراً وقادراً على صناعة الرأي العام وتأليف جماعات المصالح، ففي ساحاته تتوفر الأفكار والأشياء من كل صنف ونوع، وفيه تجري معاملات تجارية ومالية ويتم عقد صفقات وربط علاقات وتحالفات بين أطراف كثيرة، كما تجري مواجهات وحروب ومعارك محتدمة. وفي كتابه «حروب مواقع التواصل الاجتماعي»، يحاول إيهاب خليفة استكناه ماهية شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، متسائلا: كيف نشأت وتطورت؟ وكيف أصبحت مجالًا مفتوحاً لحروب من نوع جديد؟ وما هي أدوات وأطراف ومعايير الانتصار في حروبها؟ وكيف يمكن للدول أن تتعامل معها؟
يهتم الكتاب بإبراز الطريقة التي غيرت بها الإنترنت شكل الحياة البشرية، موضحاً أن ثورة المعلومات وظهور الإنترنت أثرا على كافة مناحي الحياة، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم عسكرية أم اجتماعية. فمع استمرار تطور الإنترنت ظهرت المدونات والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي التي كان لها دور رئيسي في تغيير ثقافة الأفراد، فتشكل أكبر تجمع افتراضي للسكان في العالم (أكثر من ملياري مستخدم). ومع وجود هذا التجمع السكاني الافتراضي الهائل على الشبكات الاجتماعية، كان من الطبيعي أن تنتقل الصراعات إلى ساحاتها، وباعتبارها جزءاً لا يتجزأ من شبكة الإنترنت الدولية فقد أصبحت ميداناً مفتوحاً للمعارك والحروب الافتراضية.
 ويعتقد المؤلف أن مواقع التواصل الاجتماعي أعادت تشكيل العديد من المفاهيم والأفكار، لاسيما مفهوم الكتابة وأساليب الإعجاب، كما ساهمت في تطوير صناعة البرمجيات وإنعاش أسواقها، فظهرت العديد من التطبيقات، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيقات الهاتف المحمول، تستهدف تحقيق متعة المستخدمين وتقديم أفضل خدمات التواصل والتسلية.
لكن الأمر في عالم وسائل التواصل الاجتماعي لم يقتصر على مجرد التواصل وإرضاء الطلب على التسلية، بل صاحبته -كما يوضح الكتاب- ظواهر سلبية وممارسات ضارة للغاية، مثل عمليات الابتزاز والنصب الإلكتروني، ونشر الشائعات والمحتويات غير الأخلاقية.. وسواها من الجرائم الإلكترونية. إلا أن الغلبة كانت للظواهر السياسية، حيث تم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً «الفيسبوك»، كوسيلة لعمليات الحشد والتعبئة العامة وتنظيم المظاهرات والاحتجاجات الفئوية، بل شمل تحريف الحقائق وتزويرها وتلفيق التهم. كما أصبحت هذه الشبكة وسيلة تقوم من خلالها بعض الحركات الإرهابية بتجنيد أفرادها والترويج لأفكارها. وبذلك ظهرت حروب التواصل الاجتماعي، وهي حروب ذات نمط معين وخصائص مميزة، تختلف عن الحروب التقليدية في وسائلها وساحاتها وأساليبها، لكنها لا تقل ضرراً وتأثيراً على البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للدول والمجتمعات.
وكما يوضح الكتاب، فقد ظهرت حروب مواقع التواصل الاجتماعي في سياق حروب الجيل الرابع، وهي حروب تعتمد على استخدام سائر الوسائل من قبل مجموعات غير نظامية، بغية الإضرار بالبنى الاجتماعية للدول أكثر من أمنها التقليدي، ويمكن النظر إليها على أنها «استخدام الشبكات الاجتماعية لجذب اهتمام الرأي العام، سواء المحلي أو الإقليمي أو الدولي، ومحاولة التأثير عليه أو توجيهه أو تضليله، عبر وسائل التواصل الحديثة، سواء أكانت مواقع إنترنت أو تطبيقات هاتفية للتواصل الاجتماعي، خلال فترة زمنية معينة، بدوافع سياسة أو عسكرية».
وبذلك يتضح حجم التحدي الذي تفرضه شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي على الدول وأجهزتها الأمنية، خاصة مع تزايد أنماط الاستخدام الخطرة للشبكات الاجتماعية وتطبيقات الموبايل.. وذلك ما يتطلب من الدول والحكومات اعتماد سياسات وطنية لمواجهة حروب وسائل التواصل الاجتماعي، تعيد بموجبها تعريف التهديدات الإلكترونية بصفة عامة، والتهديدات التي تطرحها هذه الشبكات بصفة خاصة، بما يحافظ على الأمن العمومي، وعلى خصوصيات الأفراد في الوقت ذاته.
محمد ولد المنى
المؤلف: حروب مواقع التواصل الاجتماعي
المؤلف: إيهاب خليفة
الناشر: العربي للنشر والتوزيع
تاريخ النشر: 2016
========================
جون جوديس :«ربيع الشعبوية» في أوروبا وأميركا
تاريخ النشر: الجمعة 11 نوفمبر 2016
بعد حملة انتخابية طويلة ومحمومة، قال الناخبون الأميركيون أخيراً كلمتهم يوم الثلاثاء واختاروا المرشح الجمهوري دونالد ترامب القادم من خارج المؤسسة السياسة الأميركية، رئيساً لهم، في فوز جديد للشعبوية على السياسة التقليدية في العالم، ما حدا بالكثيرين لوصف الحدث بلحظة «بريكسيت» الأميركية، ذلك أن الأميركيين –أو أغلبية منهم على الأقل- آثرت ترجيح كفة مرشح شعبوي اشتهر بتصريحاته المثيرة للجدل، ومناوئ للهجرة واتفاقيات التجارة الحرة، ومؤيد للانكفاء على الذات والانسحاب من العالم، على حساب هيلاري كلينتون، السياسية الديموقراطية المخضرمة.
ومع فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، تتكرس قوة مدّ الشعبوية الجارف عبر أوروبا والولايات المتحدة؛ حيث حققت الأحزاب الشعبوية في القارة العجوز صعوداً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في ضوء تدفق اللاجئين الفارين من الحروب على القارة، صعود ظهر على الخصوص في المجر وبولندا والنمسا والسويد وفرنسا، حيث حقّقت الأحزاب المناوئة للإسلام والهجرة والاتحاد الأوروبي، نتائج انتخابية مهمة. وفي هذا السياق يندرج أيضاً فوز المعسكر المؤيد لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو 2016، والذي تزعمه «حزب الاستقلال» البريطاني اليميني المتطرف.
 لكن ما الشعبوية؟ وما مصدرها؟ ولماذا تحقق صعوداً لافتاً على جانبي الأطلسي؟ هذه بعض من الأسئلة التي يحاول الكاتب والصحافي الأميركي جون جوديس في كتابه الجديد «الانفجار الشعبوي»، شرحها كظاهرة سياسية عصية على الفهم وآخذة في التوسع.
التعريف البسيط للشعبوية هو أنها نوع من الخطاب السياسي الذي يستخدم الديماجوجية ودغدغة عواطف الجمهور، بدلاً من مصارحته ومخاطبة عقله ومكاشفته بالحقيقة المرة. وفي كتابه «الإقناع الشعبوي» الصادر عام 1995، يصف المؤرخ الأميركي مايكل كازن الشعبوية باعتبارها «لغة» يستعملها الناس العاديون والسياسيون الأغنياء الذين يزعمون التحدث باسمهم لتنظيم أنفسهم ضد النخب التي ينظرون إليها على أنها «غير ديموقراطية ولا تخدم إلا نفسها».
جوديس يرصد الشعبوية في الولايات المتحدة، التي أدى فيها ركودُ الأجور، ورحيل الشركات، وتفشي الخوف من الضياع، وفقدان البوصلة في الاقتصاد العالمي.. إلى توحيد كل من بيرني ساندرز ودونالد ترامب في السخط على الاتفاقيات التجارية، لكنه يحرص في الوقت ذاته على التمييز بين الشعبوية الاقتصادية اليسارية لساندرز وحزب «بوديموس» المناوئ للنخبة في إسبانيا، الذي ينتصر لـ«الشعب» في مواجهة الـ1 في المئة، من جهة، وبين الشعبوية الثقافية اليمينية لترامب و«حزب الشعب» الدنماركي المناوئ للمسلمين، من جهة ثانية. أما الفرق فهو أن الشعبويين اليمينيين يتّهمون النخبة بـ«تدليل» مجموعة ثالثة دائمة التحول، تشمل المهاجرين، والسود، والإرهابيين، والمستفيدين من نظام الرفاه الاجتماعي، أو جميع هؤلاء. ووفق المؤلف، فإن الحديث الشعبوي حول كبش فداء هو ما يمنح الشعبوية اليمينية قوتها الحالية، لا سيما في أوروبا التي تواجه مشاكل كبيرة تتعلق بالاقتصاد والهجرة والإرهاب، أكثر حدة من تلك الموجودة في الولايات المتحدة.
جوديس يلقي الضوء على البلدان العشرة التي فاز فيها مرشحون شعبويون أو أصبحوا جزءاً من ائتلافات حاكمة فيها، بعد «الركود الكبير» لـ2008، لافتاً إلى أن الدول الشمالية، «المحاصَرة» بالمهاجرين، باتت تميل يميناً، ومثال ذلك بريطانيا التي تزعّم فيها «حزب الاستقلال» حملة الانسحاب من أوروبا من خلال كتلة ناخبة أكبر سناً وأقل تعلماً تشبه إلى حد كبير كتلة ترامب الناخبة. هذا في حين أن دول جنوب أوروبا، مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان، التي لديها اقتصادات تعاني من ركود شديد يضاهي من حيث حدّته الأزمة المالية والاقتصادية التي عرفتها الولايات المتحدة في الثلاثينيات، مالت إلى اليسار، الذي يعني حالياً رفض ومقاومة نخب الاتحاد الأوروبي، وليس الاشتراكية.
وفي ختام كتابه، يكشف جوديس عن موقف إيجابي من الشعبوية اليمينية؛ حيث يعتقد أن ترامب والشعبويين اليمينيين الأوروبيين «وطنيون قبيحون»، لكنهم ليسوا فاشيين، مشدداً على أن حتى الشعبويين الذين لديهم نزعات سلطوية يؤمنون بالعمل من داخل النظام الديموقراطي، وليست لديهم الطموحات الترابية التي كانت محورية بالنسبة إلى الفاشية الألمانية والإيطالية. وبالمقابل، يرى جوديس أن ترامب يشبه إلى حد كبير رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني، الملياردير وقطب الإعلام الإيطالي «المهرَّج».
محمد وقيف
الكتاب: الانفجار الشعبوي.. كيف غيَّر الركود الكبير السياسة الأميركية والأوروبية
المؤلف: جون جوديس
الناشر: كولومبيا جلوبل ريبورتس
========================
جان تيرول :اقتصاد الشأن العام.. رهانات اجتماعية وفكرية
يكتسي الاقتصاد أهمية استثنائية في اهتمامات البشر عموماً والباحثين المختصين بشكل خاص، ذلك على اعتبار أنه المحرك الرئيس في تطور المجتمعات والدول ومستقبلها. وبعد انهيار جدار برلين والسقوط الذي عرفته المنظومة الاشتراكية ومعها الاهتزاز الكبير لمفاهيم الاقتصاد المخطط ــ الاشتراكي ــ ساد «اقتصاد السوق» باعتباره النموذج ــ الموديل ــ الظافر.
وفي مثل هذا السياق يقدم «جان تيرول»، الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 2014 وصاحب العديد من المسؤوليات في مؤسسات اقتصادية رفيعة، كتاباً يشرح فيه المفاهيم الاقتصادية الأساسية للجمهور العريض من القراء. يحمل الكتاب عنوان: «اقتصاد الشأن العام».
ويدافع مؤلف هذا الكتاب عن رؤية محددة للاقتصاد تكمن في اعتباره «علماً يجمع بين النظرية والوقائع في خدمة الصالح العام». وبناء على مثل هذا التعريف يحدد دور رجل الاقتصاد في أنه «باحث» من جهة و«إنسان فاعل في الواقع»، من جهة أخرى. ذلك بالتعارض مع النظريات التي تصف الإنسان أنه مجرد «كائن اقتصادي»، فهو أيضاً بالإضافة إلى ذلك «إنسان بسيكولوجي واجتماعي وكيان قانوني».
ويبدأ المؤلف بطرح أسئلة من نوع: في أي مجتمع تفضلون العيش مهما كنتم، رجل أو امرأة أو في صحة سليمة أو معتلة أو فقراء أو أغنياء أو أصحاب ثقافة أو تفتقرون لها أو من هذه المنطقة أو تلك؟
ولا يتردد في إخطار القارئ منذ البداية أن الخوض في المجال الاقتصادي وولوج مسالكه ليس «رحلة سهلة»، بل يتطلب قدراً كبيراً من الجهد. يكتب: «من السهولة أكثر مشاهدة فيلم أو قراءة رواية بوليسية من الانكباب على قراءة كتاب في الاقتصاد». والإشارة مباشرة، مع ذلك، أن «المغامرة تستحق بذل الجهد».
المواضيع التي يتطرق لها المؤلف على مدى السبعة عشر فصلاً التي يتألف منها الكتاب تطال مختلف اهتمامات البشر في حياتهم اليومية كما تناقش الرهانات الاجتماعية ــ الاقتصادية الكبرى. ذلك بعيداً عن «الأحكام المسبقة والمواقف الإيديولوجية الجاهزة»
 
هكذا يبحث في أحد الفصول «الاقتصاد الرقمي» الذي أحدث خلال عقود قليلة من التطور والتبدل قدراً لم تعرفه الإنسانية على مدى تاريخها الطويل. والتأكيد أن التكنولوجيات الرقمية رسخت مواقعها في الاقتصاد وأن تحولاً كبيراً وعميقاً سيطال جميع المهن. هذا في الوقت الذي يؤكد فيه أن «جهاز التكوين والتدريب المهني في بلد مثل فرنسا ليس مؤهلاً لمواجهة مثل ذلك التحول». وفي جميع الحالات يصدر المؤلف حكماً في غاية القسوة حيال فرنسا اليوم فيما يتعلق بـ «البطالة» و«اتخاذ القرارات الاستباقية في مجال الميزانية» و«تنظيم العمل»...الخ.
إن المؤلف، ومن خلال تقديم رؤية شاملة «بانورامية» لمختلف المسائل المطروحة على الاقتصاد وعلى أصحاب القرار في العالم اليوم، يستعرض بالوقت نفسه جملة من النظريات التي كان أحد المساهمين الأساسيين في صياغتها. وهو يولي اهتمامه بشكل خاص إلى النظريات الخاصة بـ «كيفية إدارة المؤسسات» و«الفقاعات المالية» و«التمويل والأسواق»...الخ.
هكذا مثلاً يشير إلى أن ظواهر خطيرة متفشية في فرنسا وفي العديد من البلدان الرأسمالية تعود إلى النمط المجتمعي الذي تم اختياره أكثر مما تعود، كما يقال ويكرر، لانحرافات الأسواق المالية وسيطرتها على الاقتصاد. ويقترح المؤلف في هذا المجال ضرورة تغيير السياسات السارية باتجاه «تخفيف تعويضات العطالة عن العمل وتخفيف الأعباء المترتبة على الشركات».
ومن المقولات التي يؤكد عليها «جان تيرول» أنه أمام عجز الأسواق «ينبغي عدم الغضب» بل بالأحرى «التأمل والتفكير» بكيفية إيجاد «النماذج» أو «الصيغ الرياضية» التي تسمح بتبني منطق حازم.
والتأكيد على ضرورة أن يؤخذ بالاعتبار واقع أن «اقتصاد السوق» هو النموذج السائد، بل والوحيد الذي يتولى مهمة «تنظيم المجتمعات الغربية عموما»، في عالم اليوم. ذلك بعد «الفشل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والبيئي للاقتصاد المخطط»، بمعنى «الاشتراكي» الذي تتولى فيه الدولة تحديد السياسات الاقتصادية ولا تترك أي هامش لعمل الشركات والمؤسسات الخاصة.
لكن هذا لا يعني أنه ينبغي تطبيق منطق السوق في جميع المسائل. مثلا يرفض المؤلف فكرة تقديم مقابل مادي للمتبرعين بالدم. ذلك «ليس بدوافع أخلاقية» ولكن كون أن «ربط الهبات بدوافع مالية ليس خطأ أخلاقياً ولكن خطأ اقتصادي». فذلك يجر «نقص الفعالية». والكرَم عندما يغدو «فعل مالي» تتدهور قيمته وبالتالي فعاليته.
بهذا المعنى يرى «جان تيرول» أن الاقتصاد «علم ليس مثيراً للفجيعة وليس علماً دقيقاً، ولكنه علم إنساني بامتياز». ومن الميزات الأساسية لتي يؤكد عليها بالنسبة للاقتصاد «أن يكون مفيداً» على صعيد الواقع العملي. ويقوم في هذا السياق بتشبيه الاقتصاد بالطب. ذلك من حيث أنه «يتطلع إلى القيام بعمليات تشخيص ثم يوصي باتباع علاج».
ومن المهام التي يرى المؤلف أن واجب الاقتصاديين هو القيام بها على أكمل صورة وفي مواجهة جميع الأوضاع يحدد «قياس واقع الأمور المطروحة» من أجل رسم صورة عيانية لذلك الواقع كما هو بجميع معطياته. و«فهم تلك الأمور» من أجل الإلمام الكامل بآليات عملها وأسبابها القريبة والبعيدة والنتائج التي يمكن أن تترتب عليها. وألا يغيب في مجمل الأحوال «الربط بين الصالح الخاص والصالح العام».
ويرى من المهام أيضاً «اقتراح التوجهات الممكنة» التي يمكن أن تساهم في إيجاد الحلول للخروج من الأزمات إذا كانت قد انفجرت والوقاية منها إذا كانت بطور التشكل. والتركيز في هذا الإطار على القول أن الاقتصاديين لم يقوموا بدورهم الأساسي والرئيسي الخاص بترقب قدوم الأزمة التي انطلقت في الولايات المتحدة في خريف عام 2008.
وكتاب يشرح فيه مؤلفه المفاهيم الاقتصادية الأساسية وترجمتها في الواقع المعاش. هذا في مرحلة جديدة انتصر فيها اقتصاد السوق، لكن «السلطات السياسية ــ في «العالم الحر»ــ فقدت من سلطتها لصالح السوق والقوى الفاعلة الجديدة». بالتوازي مع بروز«عالم بلا شفقة وتراخي الرابطة الاجتماعية والقيم الخاصة بالكرامة الإنسانية وغياب الاهتمام بمستقبل الأجيال القادمة»، كما نقرأ.
المؤلف في سطور
جان تيرول، اقتصادي فرنسي، حائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 2014. وصفته الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم أنه «أحد أكثر الاقتصاديين نفوذاً في الحقبة الراهنة».
من مؤلفاته «نظرية التنظيم الاقتصادي» و«الأزمات المالية: السيولة والنظام النقدي الدولي»...الخ.
الواقع... والنظرية
يحدد المؤلف ــ الاقتصادي صاحب جائزة نوبل عدة مهام يرى أنه من واجب الباحثين الاقتصاديين العمل على تحقيقها، ذلك على ضوء أن دور الباحث الاقتصادي ينبغي أن يكون هو العمل «واقعياً» من أجل عالم أفضل على مستوى معيشة البشر المعنيين، وبالتوازي مع العمل «نظرياً» من أجل «دفع المعرفة إلى الأمام».
الكتاب:
اقتصاد الشأن العام.
تأليف:جان تيرول
 
========================
ليزا غولد :العنف المسلّح والمرض العقلي.. ظاهرة متعاظمة
العنف هو إحدى الظواهر الرئيسية التي يعاني منها المجتمع الأميركي. ويغدو الأمر أكثر إثارة للقلق أنه غدا من الشائع أكثر فأكثر استخدام السلاح بشكل متزايد في تصفية الخلافات والحسابات حتى لأبسط الأسباب. ويشير الواقع أن المجتمع الأميركي هو الذي يدفع أكبر الأثمان في العالم لانتشار العنف عبر استخدام الأسلحة النارية «المرخّصة قانونياً».
بالمقابل تتعاظم كثيراً التبريرات التي تتكرر بأشكال مختلفة بأن المسؤول عن تعاظم ظاهرة العنف هو أن الذين يقومون فيه يعانون غالباً من «خلل عقلي».
والعلاقة بين «العنف المسلّح والمرض العقلي» هو عنوان كتاب جماعي صدر أخيراً عن «دار المطبوعات النفسانية الأميركية». ومن خلال مناقشة هذه العلاقة يتطرّق المساهمون بإشراف «ليزا غولد»، الطبيبة النفسانية ذات الشهرة العالمية، ومشاركة عدد من الأخصائيين في مشارب مختلفة، إلى البحث في خلفية النقاشات حول العنف المسلّح في الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات الأخيرة وبحيث غدا «ظاهرة تنذر بالخطر».
ويتم التعّرض من قبل المساهمين لمسألة «التعاظم المنذر بالخطر للعنف المسلّح على الصعيد العام». ذلك بالتوازي مع انتشار بيع الأسلحة في الولايات المتحدة بحيث غدت أحد أكثر المسائل نقاشاً لدى السياسيين والأطباء وعلماء الاجتماع والاقتصاديين وغيرهم من أصحاب القرار في مختلف الميادين.
وشرح أن ظاهرة حريّة بيع الأسلحة النارية والانتشار الكبير لأعداد أولئك الذين يمتلكون سلاحاً نارياً في الولايات المتحدة الأميركية، هي في صميم تزايد العنف بينما تتم «المبالغة كثيراً» فيما هو سائد من أفكار وآراء أو «بكل بساطة خطأ ما يتم ترديده حيالها».
تحدد ليزا غولد القول إن مشكلة العنف عبر استخدام السلاح في أميركا يتم عرضها عموماً من خلال صيغة مفادها أن «المجنون وحده يمكن أن يقوم بالعمل الإجرامي المتمثّل في قتل أبرياء».
وتشير أن الجميع يدركون أن «المجنون»، بمعنى الفاقد للمحاكمة العقلية والغريب عن قيم المنظومة الاجتماعية السائدة، يمكن أن يشكّل «خطراً» وأن يرتكب «أفعال عنف». وبناء على ذلك يتم التأكيد أنه ليس المفيد «اجتماعياً» ترك السلاح بين يديه مع واقع غياب الضوابط حول امتلاك السلاح في أميركا.
الوجه الآخر الذي يتم استنتاجه إذن، تبعاً للمنطق الشكلي، هو أن الأعمال الرهيبة التي يستهدف فاعلوها أبرياء من طلبة مدارس وغيرهم وراءها، أي الأعمال الرهيبة، أشخاص «مرضى عقليين»، حسب التوصيفات الشائعة المستخدمة. وما تتم محاولة إثباته في هذا الكتاب هو أن الواقع يقول شيئاً آخر وأن هناك مرضى عقليين يمكن أن يرتكبوا أعمال عنف مسلّح، لكنهم يشكّلون الاستثناء وليس القاعدة بالنسبة للمعنيين.
ويناقش المساهمون في هذا الكتاب مختلف المسائل المتعلّقة بـ«المنظومة الصحيّة الأميركية» الخاصّة بالمرض العقلي، حيث يصلون إلى نتيجة أساسية مفادها أن هذه المنظومة «لا تلقى الدعم المالي الكافي» من قبل السلطات المعنية. هذا فضلا عن أنها «لا تعالج المسألة من مختلف وجوهها». والإشارة أن الأكثر إهمالاً من قبل المنظومة المعنية هم «المرضى العقليون الذين يعانون من إعاقات حادّة»
وتقول الإحصائيات المقدّمة أنه من أصل حوالي 40000 حالة انتحار سنوي هناك النصف بواسطة «سلاح ناري». ويتم تحديد أن الأسلحة النارية تمثّل الوسيلة «الأكثر استخداماً» للجرائم التي تستهدف النساء أثناء الشجارات المنزلية في أميركا.
في المحصّلة تشير المعلومات والإحصائيات المقدّمة أن العنف مع استخدام السلاح الذي يرتكبه أشخاص يعانون من لوثة عقلية خطيرة، يبقى هو الشكل الأكثر ندرة من العنف المسلح في المجتمع الأميركي. وتأكيد أنه من حوالي 33000 حالة قتل تعرفها الولايات المتحدة سنوياً، عبر استخدام سلاح ما، هناك حوالي 60 بالمئة منها تخص عمليات انتحار.
ويتم التركيز في التحليلات المقدّمة في هذا العمل أنه لا يكفي تكرار الدعوات و«النداءات» من أجل تحسين آلية عمل المنظومة الصحيّة الأميركية عامّة والصحّة العقلية خصوصاً. هذه الدعوات والنداءات تتعاظم عادة بعد عمليات العنف التي يذهب ضحيتها أبرياء كانوا في العديد من الحالات من تلامذة المدارس.
والإشارة أنه في الغالبية العظمى من الحالات يتم «استخدام المناسبة» من قبل رجال السياسة من أجل تجنّب الخوض في المسألة الجوهرية الكامنة وراء انتشار ظاهرة العنف المسلّح على مختلف المستويات والمتمثّلة بـ«تنظيم قوانين الحصول على الأسلحة من السوق».
قواعد ناظمة
تشير المشرفة على الكتاب، إلى أن وسائل الإعلام الأميركية والطبقة السياسية الأميركية تذهب باتجاه «الربط» بين عمليات العنف عبر استخدام نوع من السلاح وبين «نماذج» يجري الربط بين عنفها وبين «أحكام مسبقة تجمعها مع الخلل العقلي» لدى مرتكبيها. وتكمن الخطوة الأولى المطلوبة، في هذا الخصوص، في تبنّي «قواعد ناظمة معقولة» لضبط أليات بيع الأسلحة النارية.
والتأكيد على أهمية قاعدة «تعليمية أخلاقية» ينبغي تعميمها وهي القيام بالفصل بين المتنازعين الذين بحوزتهم أسلحة نارية أثناء «الأزمات». ذلك تمشياً مع القاعدة القائلة إن «الأصدقاء لا يتركون أصدقاءهم يقودون السيارة وهم سكارى».
المشرفة في سطور
ليزا غولد، المشرفة على إنجاز هذا العمل الجماعي، هي باحثة شهيرة عالمياً في مجال التحليل النفساني والأمراض العقلية. تساهم بالكتابة في الدوريات المختصّة بمختلف المسائل المتعلّقة بالمنظومة الصحيّة الأميركية. نالت العديد من الجوائز في ميدان اهتمامها.
الكتاب: العنف بسلاح ناري والمرض العقلي
تأليف وإشراف: ليزا غولد وآخرون
========================
عمر قدور :«من لا يعرف سيمون؟».. كائنات قلقة وأنوثة مُستلبة
من لا يعرف سيمون؟ سؤال ينزاح عن معناه الاستفهامي إلى التقرير والتأكيد بأن «سيمون» معروفة وأشهر من أن تكون مجهولة ليُستفهم عنها على هذا النحو..
سيمون الشخصية المتخيّلة التي اخترعتها مخيلة الروائيّ طبقاً لشخصيّة واقعية، أو لنموذج نسائي سنتعرّف إليه بعد حين، ولكن قبل ذلك لا بدّ من التعرّف إلى الشخصيات الأخرى، أو بالأحرى إلى الأصوات الإضافية التي شكّلت الحكاية وأعطتها بعدها الروائيّ.
فثمّة أوّلاً سارة غروسمان زوجة «فرانك» الذي قُتل للتوّ.. سارة الرائية التي تحلم، والتي تتبصّر الموت قبل أن يحدث، ولذلك فإنها لم تفاجأ عندما مات فرانك، فهي تنبأت بموته على النحو الذي حدث.
سيمون السورية الدمشقية، تُقدّم بدءاً من الاستهلال، كشخصية محورية رائية تتبصّر الأحداث في أحلامها بناء على العنوان الفرعي الأوّلي: «سيمون تحلم بالموتى وبالفن» وربّما الجامع بينها وبين سارة غروسمان هذه الخاصّية الغامضة، وليس ثمة رابط بين الشخصيتين سواها، فتبقيان مستقلتين لا علاقة لإحداهما بالثانية سوى ما يطمح الروائي إليه من مقاصد.
سيمون الشامية ترى منامات لحالات مماثلة قبل وقوعها، وممن رأتهم في نومها خالها محمود المقيم في بروكسل والمصاب بالسرطان.. وقد رأت في نومها أنها تتصل به، وسمعت رنين الهاتف بالرغم من أنّ سلكه مقطوع، فأفاقت وفي ذهنها أن خالها قد مات فجأة في بيته، أيقظت أمّها وأخبرتها بموت أخيها، وما لبث الخبر أن عمّ العائلة كلّها من دون أن يتحقق أحد من مصدر الخبر وصحّته.
إن الرؤيا في هذه الحدود قد لا تبدو مدهشة فالكثير منا يرى مثل هذه المنامات لأموات يأتون المنام كأحياء أو العكس، غير أن ما أدهش في سيمون، أنها رأت تفاصيل إضافية تطابق ما حدث تماماً.
الخال محمود يعد سيمون بالعودة إلى دمشق فور تصفية أعماله في نابولي، ولكنه بدلاً من السفر إلى دمشق غادر إلى بروكسل وأقام فيها ليلقى مصيره بعد أربعة أشهر من وصوله..وبعد نحو سنة تموت أمّها، وتوصيها بالعناية بأصص الزرع والابتعاد عن أبيها إن عاد يوماً، وهذا الإخبار يعني أن الأب هجر الأسرة منذ زمن.إنها شخصية مقطوعة من شجرتها العائلية، وبات عليها أن تجابه الحياة وحيدة في دمشق القاسية التي لا ترحم أمثالها، ولا سلاح بيدها سوى أحلامها وجمالها الآسر، ولا سيّما بعدما بدأت العمل في شركة الطيران، وتعرّفت إلى تامر، الذي سيدخل الأحداث بدوره كحبيب، حيث يذهب السرد في تفاصيل مثيرة فضلاً عن هواجس الشابة الفاتنة، المختلفة.
وفيما يبدو تركيز السارد على عنصر محدد في شخصية سيمون، بسبب ارتباطه بأحداث كبرى ستأتي، وفق ما يمكن استنتاجه من الاستهلال وتوجيه الأحداث نحو مواجهة لا بدّ ستحصل لشابة فاتنة ومتحررة في مجتمع ذكوريّ، وهذا الاستنتاج استباقي من قبلنا تبعاً لمعرفتنا بما تفيض به دمشق من مافيات سلطوية تحتل مختلف مؤسساتها وتسيّرها وفق مصالحها ومشيئاتها، وهذا ما سيلتمسه القارئ في الفصول اللاحقة التي ستكشف عن بعض مخبوءاتها النفسية، ولاسيّما ما أفاض به الروائيّ ليعزز هذا الجانب بخياله البارع.
ممارسات سيمون، غير السوية، ستأخذها إلى عالم الشهرة بعدما تمكّنت من اجتياز جملة المصاعب المفترضة لممثلة مبتدئة وجميلة.. ثمّ ما لبث نجمها بالصعود في عالم الشهرة والمال، وبدأ الآخرون بالتزلّف لها. ثمّ يأتي السؤال، من الذي فتح لسيمون كلّ هذه الدروب نحو الشهرة؟ وما الثمن الذي ينبغي أن تدفعه لقاء عالم الأضواء هذا؟
إنه الأستاذ صفوت، أو بالأحرى السلطة المطلقة ذاتها ممثلة في شخصه، إنه الرعب في مطلقه، نظراً لأنه يتحكّم بشركات كبرى ولديه أعوان مدرّبون ومخلصون يطلعونه على خفايا سيمون وعشّاقها الكثر، فيتخلّص منهم جميعاً سواء بالقتل أو بالتهديد أو بالنفي والإبعاد.
استحواذ كلي
كانت سيمون أشبه بدمية غضّة في يد رجل عنيف، أو بالأحرى مجنون بحبّها ولا يريد أن يقترب أيٌّ من عشّاقها منها، استحواذ كلّي مع هوس مرضيّ متفاقم ذهب بها نحو الهاوية بعدما ارتقت عالياً في سماء النجومية، مما يذكّر بجريمة مشابهة وقعت منذ سنوات، وكانت ضحيّتها إحدى الفنانات.
المؤلف في سطور
عمر قدّور. كاتب صحافيّ. له ديوانان شعريان. كتب 4 روايات حتّى الآن: «جواف خشنة»، «أسماء للنسيان»، «هواء فاتر.. ثقيل» و «من لا يعرف سيمون؟».
الكتاب:
من لا يعرف سيمون؟
تأليف: عمر قدور
الناشر: دار نون، رأس الخيمة،
========================